ونذكر هنا كلاماً لـابن القيم رحمه الله تعالى في عدة الصابرين حيث يقول: (الإيمان قول وعمل، والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح)، فهذه زيادة في الإيضاح، (وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً، كما قال عن قوم فرعون: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا ))[النمل:14]، وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح عليه السلام: (( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ))[العنكبوت:38])، أي أن طريق الحق وطريق الباطل واضحان.
قال: (وقال موسى لفرعون : (( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ))[الإسراء:102]) وهذا تأكيد على أن كثيراً من الكفار من ناحية الاعتقاد الداخلي في أنفسهم يعتقدون أن الأنبياء حق، وأن الله حق، وأن الدين حق.
يقول: (فهؤلاء حصلوا قول القلب وهو المعرفة والعلم، ولم يكونوا بذلك مؤمنين، وكذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمناً، بل كان من المنافقين) وقد ذكر الله تعالى ذلك فقال: (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ))[المنافقون:1]، فهذه الشهادة لم تنفعهم؛ فالله تعالى قال: (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ))[المنافقون:1] فالمسألة حق: (( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ))[المنافقون:1] أي: في قولهم: (إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)، فكونك رسوله حق، لكنهم كاذبون في قولهم: (نَشْهَدُ)؛ لأنهم في الحقيقة لا يشهدون شهادة المقر المذعن المنقاد، فالقضية صحيحة لا شك فيها، وهي كونه صلى الله عليه وسلم رسول الله، لكن المنافقين كاذبون في دعواهم أنهم يشهدون شهادة الإيمان التي يريدها الله ويثيب صاحبها، ودعا الناس إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يدعهم لمجرد الإقرار بأنه نبي، وإنما دعاهم إلى اتباعه وطاعته والانقياد لما جاء به من عند الله تبارك وتعالى.